روضة الصائم

رسائل الرسول الملوك والزعماء: أكيدر دومة الجندل «حفظ كرامته.. واحترم زعامته»

22 مايو 2019
22 مايو 2019

إعـــــــداد: مـــــــيرفت عزت -

يذكر الشيخ عبد الله بن محمد بن حديدة الأنصاري في كتاب» المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ورسله إلى ملوك الأرض»، قال السهيلي: دومة الجندل- بضم الدال- وهى ما بين بوك الغماد ومكة. وقيل: ما بين الحجاز والشام، والمعنى واحد، وهى على عشر مراحل من المدينة وعشر من الكوفة، وثمان من دمشق واثنتي عشرة من مصر، وسميت بدومان بن إسماعيل عليه السلام كان ينزلها.وقد خافوا النبي صلى الله عليه وسلم لما رأوا العرب قد أسلمت.

وقد اتصل منذ سنوات عداؤها للمسلمين، واشتركت في الجموع المتألبة على دولة الإسلام، ولعل وراء ذلك العداء بعض الدوافع، منها تبعيتها للدولة البيزنطية ولاءً وديانة؛ فقد كان عامة أهل تلك المنطقة يدينون بالنصرانية، ومنها كذلك انتماء أهل دومة الجندل إلى بطون قحطانية، وهذا ما يساعد على اندفاعهم عرقيا لعداء المسلمين الذين يتبعون نبيا عدنانيا.

فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، سيف الله المسلول خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلى ملك دومة الجندل أكيدر بن عبد الملك السَّكوني وكان نصرانيا، وأمر خالدا وجنوده قائلاً: «إن قدرتم على أخذه فخذوه ولا تقتلوه، وإن لم تقدروا على أخذه فاقتلوه. وطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا رضي الله عنه ببشارة نبوية أنه سيأخذه وهو يصيد البقر.

فكان كما قال صلى الله عليه وسلم، وأسره خالد رضي الله عنه، فلما أُتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم سجد أُكيدر لرسول الله، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بيده: لا لا مرتين، وذلك الكرم البالغ الذي تعامل به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أكيدر عندما وقع في يده أسيرا بعد تاريخ طويل من العداء والتحريض، فلم يُذل صلى الله عليه وسلم كرامته، ولم يرضى منه السجود بين يديه، بل حقن دمه، واحترم زعامته، وصالحه صلحا يحترم فيه المسلمون مصلحة أكيدر وقومه احتراما بالغا. وفى ذلك دلالة قاطعة على حبه صلى الله عليه وسلم للسلام، فالرجل في يده ويستطيع قتله، أو التنكيل به، أو إبقاءه أسيرا واسترقاقه، وجعله مثلة لقومه ولملوك العرب كافة، كما كان يفعل الفرس والروم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن تحيا الجزيرة العربية والعالم أجمع في ظل السلام والإسلام بعيدا عن الحروب، لذا فقد قبل بإجراء الصلح مع ملك مهزوم أسير. وقد أثر هذا كثيرا في نفس أكيدر، وتعددت الروايات الصحيحة التي تذكر صورا من تودد أكيدر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وروى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن أُكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير.

وخالد بن الوليد هو بن المغيرة المخزومي القرشي لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بسيف الله المسلول، لبراعته في القيادة والحروب والتخطيط العسكري، ويعد أحد قادة الجيوش القلائل في التاريخ الذين لم يهزموا في معركة، واشتهر خالد بانتصاراته الحاسمة. وكان خالد هو سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أكيدر دومة.

يضيف، قال السهيلي في» الروض الأنف وذكر أنه كتب لأكيدر دومة كتاباً فيه.

قال أبو عبيد أنا قرأته فإذا فيه.

«نص الرسالة»:

«بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكيدر،حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله فى دومة الجندل وأكنافها، أن لنا الضاحية والضحل والبور والعامي، وأغفال الأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن، ولكم الضامة من النخل والمعين من المعمور لا تعدل سارحتكم ولا تعد فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق، ولكن بذلك الصدق والوفاء، شهد الله ومن حضر من المسلمين».

قال السهيلي في تفسير الرسالة: أن الضاحية: أطراف الأرض والضحل: الماء القيل، والضحضاح قاله الجوهري. العامي مجهولها: أغفال الأرض ما لا أثر لهم فيه من عمارة أو نحوها. الضامة من النخل: ما كان داخل بلدهم، ولا يحظر عليكم النبات. أي لا تمنعون من الرعي حيث شئتم. ولا تعدل سارحتكم: أي لا تحشر إلى الصدق، وإنما أخذ منهم بعض هذه الأرضين، والحلقة - بسكون اللام- الدروع والسلاح ما يمتنع به من العدو.وأورد محمد بن سعد هذا الكتاب في «الطبقات» وزاد فيه، وما زاد فيه: قال : أن عمر بن محمد الأسلمي، قال: حدثني رجل من أهل دومة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لأكيدر هذا الكتاب، فقرأته وأخذت منه نسخة:

الكتاب بما زاد فيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكيدر،حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة وأكنافها، أن لنا الضاحية والضحل والبور والعامي، وأغفال الأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن، ولكم الضامة من النخل والمعين من المعمور لا تعدل سارحتكم ولا تعد فأردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، ولا يؤخذ منكم إلا عشر النبات، تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك العهد والميثاق، ولكن بذلك الصدق والوفاء، شهد الله ومن حضر من المسلمين».

وفي تفسير ثانٍ للرسالة يقول محمد بن عمر، الضحل: الماء القليل، والعامي: الإعلام من الأرض ما لا حد له.. والضاحية ما حمل من النخل، وقوله: لا تعدل سارحتك. يقول: لا تنحى عن الرعي. والفاردة: ما لا تحب فيه الصدقة. والإغفال: ما لا يقام على حدة الأرض، والمعين الماء الجاري.والنبات: النخل القديم الذي قد ضرب عروقه في الأرض وثبت.